فصل: تفسير الآية رقم (14):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (12):

{وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ (12)}
{وَلَوْ ترى إِذِ المجرمون} وهم القائلون: {أَءذَا ضَلَلْنَا فِي الأرض} [السجدة: 10] أو جنس المجرمين وهم من جملتهم {نَاكِسُواْ رُءوسِهِمْ} مطرقوها من الحياء والخزي {عِندَ رَبّهِمْ} حين حسابهم لمايظهر من قبائحهم التي اقترفوها في الدنيا. وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما {نُكِسُواْ رُؤُوسَهُمْ} فعلًا ماضيًا ومفعولًا {رَبَّنَا} بتقدير القول الواقع حالًا والعامل فيه {نَاكِسُواْ} أي يقولون ربنا إلخ وهو أولى من تقدير يستغيثون بقولهم: ربنا {أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا} أي صرنا ممن يبصر ويسمع وحصل لنا الاستعداد لإدراك الآيات المبصرة والآيات المسموعة وكنا من قبل عميًا صمًا لا ندرك شيئًا {فارجعنا} إلى الدنيا {نَعْمَلْ صالحا} حسا تقتضيه تلك الآيات وهذا على ما قيل ادعاء منهم لصحة مشعري البصر والسمع، وقوله تعالى: {إِنَّا مُوقِنُونَ} استئناف لتعليل ما قبله، وقيل: استئناف لم يقصد به التعليل، وعلى التقديرين هو متضمن لادعائهم صحة الأفئدة والاقتدار على فهم معاني الآيات والعمل بما يوجبها، وفيه من إظهار الثبات على الإيقان وكمال رغبتهم فيه ما فيه، وكأنه لذلك لم يقولوا: أبصرنا وسمعنا وأيقنا فارجعنا إلخ، ولعل تأخير السمع لأن أكثر العمل الصالح الموعود يترتب عليه دون البصر فكان عدم الفصل بينهما بالبصر أولى، ويجوزأن يقدر لكل من الفعلين مفعول مناسب له مما يبصرونه ويسمعونه بأن يقال: أبصرنا البعث الذي كنا ننكره وما وعدتنا به على إنكاره وسمعنا منك ما يدل على تصديق رسلك عليهم السلام ويراد به نحو قوله تعالى: {يَكْسِبُونَ يامعشر الجن والإنس أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مّنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هذا} [الأنعام: 130] لا الإخبار الصريح بلفظ أن رسلي صادقون مثلًا أو يقال أبصرنا البعث وما وعدتنا به وسمعنا قول الرسل أي سمعناه سمع طاعة وإذعان أو يقال: أبصرنا قبح أعمالنا التي كنا نراها في الدنيا حسنة وسمعنا قول الملائكة لنا إن مردكم إلى النار، وقيل: أرادوا أبصرنا رسلك وسمعنا كلامهم حين كنا في الدنيا أو أبصرنا آياتك التكوينية وسمعنا آياتك التنزيلية في الدنية فلك الحجة علينا وليس لنا حجة فارجعنا إلخ، ولا يخفى حال هذا القيل، وعلى سائر هذه التقادير وجه تقديم الأبصار على السماع ظاهر، و{لَوْ} هي التي سماها غير واحد امتناعية وجوابها محذوف تقديره لرأيت أمرًا فظيعًا لا يقادر قدره.
والخطاب في {تَرَى} لكل أحد ممن يصح منه الرؤية إذ المراد بيان كمال سوء حالهم وبلوغها من الفظاعة إلى حيث لا يختص استغرابها واستفظاعها براء دون راء ممن اعتاد مشاهدة الأمور البديعة والدواهي الفظيعة بل كل من يتأتى منه الرؤية يتعجب من هولها وفظاعته، وقيل: لأن القصد إلى بيان أنحالهم قد بلغت من الظهور إلى حيث يمتنع خفاؤها البتة فلا يختص برؤيتها راء دون راء، والجواب المقدر أوفق بما ذكر أولًا، والفعل منزل منزلة اللازم فلا يقدر له مفعول أي لو تكن منك رؤية في ذلك الوقت لرأيت أمرًا فظيعًا، وجوز أن يكون الخطاب خاصًا بسيد المخاطبين صلى الله عليه وسلم و{لَوْ} للتمنى كأنه قيل: ليتك إذ المجرمون ناكسوا رؤسهم لتشمت بهم، وحكم التمني منه تعالى حكم الترجي وقد تقدم، ولا جواب لها حينئذ عند الجمهور، وقال أبو حيان.
وابن مالك: لابد لها من الجواء استدلالًا بقول مهلهل في حرب البسوس:
فلو نبش المقابر عن كليب ** فيخبر بالذنائب أي زير

بيوم الشعثمين لقر عينا ** وكيف لقاء من تحت القبور

فإن لو فيه للتمنى بدليل نصب فيخبر وله جواب وهو قوله لقر، ورد بأنها شرطية ويخبر عطف على مصدر متصيد من نبش كأنه قيل: لو حصل نبش فإخبار، ولا يخفى ما فيه من التكلف، وقال الخفاجي عليه الرحمة: لو قيل: إنها لتقدير التمني معها كثيرًا أعطيت حكمه واستغنى عن تقدير الجواب فيها إذا لم يذكر كما في الوصلية ونصب جوابها كان أسهل مماذكر، وجوزأن يقدر لترى مفعول دل عليه ما بعد أي لو ترى المجرمين أو لو ترى نكسهم رؤسهم والمضي في لو الامتناعية وإذ لأن إخباره تعالى عما تحقق في علمه الأزلي لتحققه نزلة الماضي فيستعمل فيه ما يدل على المضي مجازًا كلو وإذ، هذا ومن الغريب قول أبي العباس في الآية: المعنى قل يا محمد للمجرم ولو ترى وقد حكاه عنه أبو حيان ثم قال: رأى أن الجملة معطوفة على {يتوفاكم} داخلة تخت {قُلْ} السابق ولذا لم يجعل الخطاب فيه للرسول عليه الصلاة والسلام انتهى كلامه فلا تغفل.

.تفسير الآية رقم (13):

{وَلَوْ شِئْنَا لَآَتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (13)}
{وَلَوْ شِئْنَا لاَتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} مقدر بقول معطوف على مقدر قبل قوله تعالى: {رَبَّنَا أَبْصَرْنَا} [السجدة: 12] إلخ وهو جواب لقولهم {ارجعنا} يفيد أنهم لو أرجعوا لعادوا لما نهوا عنه لسوء اختيارهم وأنهم ممن لم يشأ الله تعالى إعطاءهم الهدي أي ونقول: لو شئنا أي لو تعلقت مشيئتنا تعلقًا فعليًا بأن نعطي كل نفس من النفوس البرة والفاجرة هداها أي ما تهتدي به إلى الإيمان والعمل الصالح، وفسره بعضهم بنفس الإيمان والعمل الصالح والأول أولى، وأما تفسيره بما سأله الكفرة من الرجوع إلى الدنيا أو بالهداية إلى الجنة فليس بشيء لأعطيناها إياه في الدنيا التي هي دار الكسب وما أخرناه إلى دار الجزاء {هُدَاهَا ولكن حَقَّ القول مِنْى} أي ثبت وتحقق قولي وسبقت كلمتي حيث قلت لإبليس عند قوله: {لاَغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ المخلصين فالحق والحق أَقُولُ لاَمْلاَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص: 82- 85] وهو المعنى بقوله تعالى: {لاَمْلاَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الجنة والناس أَجْمَعِينَ} كما يلوح به تقديم الجنة على الناس فإنه في الخطاب لإبليس مقدم وتقديمه هناك لأنه الأوفق لمقام تحقير ذلك المخاطب عليه اللعنة، وقيل: التقديم في الموضعين لأن الجهنميين من الجنة أكثر.
ويعلم مما ذكرنا وجه العدول عن ضمير العظمة في قوله سبحانه: {وَلَوْ شِئْنَا لاَتَيْنَا} إلى ضمير الوحدة في قوله جل وعلا: {ولكن حَقَّ القول مِنْى} وذلك لأن ما ذكر إشارة إلى ما وقع في الرد على اللعين وقد وقع فيه القول ولإملاء مسندين إلى ضمير الوحدة ليكون الكلام على طرز {لاَغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاَّ عِبَادَكَ} في توحيد الضمير، وقد يقال: ضمير العظمة أوفق بالكثرة الدال عليها {كُلُّ نَفْسٍ} والضمير الآخر أوفق بما دون تلك الكثرة الدال عليه {مِنَ الجنة} والناس أو يقال: إنه وحد الضمير في الوعيد لما أن المعنى به المشركون فكأنه أخرج الكلام على وجه لا يتوهم فهي متوهم نوعًا من أنواع الشركة أصلًا أو أخرج على وجه يلوح بما عدلوا عنه من التوحيد إلى ما ارتكبوه مما أوجب لهم الوعيد من الشرك، أو يقال: وحد الضمير في {لاَمْلاَنَّ} لأن الإملاء لا تعدد فيه فتوحيد الضمير أوفق به ويقال نظير ذلك في {حَقَّ القول مِنْى} والإيتاء يتعدد بتعدد المؤتى فضمير العظمة أوفق به ويقال نظيره في {شِئْنَا} فتدبر، ولا يلزم من قوله تعالى: {أَجْمَعِينَ} دخول جميع الجن والإنس فيها، وأما قوله تعالى: {وَإِن مّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا} [مريم: 71] فالورود فيه غير الدخول، وقد مر الكلام في ذلك لأن {أَجْمَعِينَ} تفيد عموم الأنواع لا الأفراد فالمعنى لأملأنها من ذينك النوعين جميعًا كملأت الكيس من الدراهم والدنانير جميعًا كذا قيل، ورد بأنه لو قصد ما ذكر لكان المناسب التثنية دون الجمع بأن يقال كليهما، واستظهر أنها لعموم الأفراد والتعريف في {الجنة} للعهد والمراد عصاتها ويؤيده الآية المتضمنة خطاب إبليس، وحاصل الآية لو شئنا إيتاء كل نفس هداها لآتيناها إياه لكن تحقق القول مني لأملأن جهنم إلخ فوجب ذلك القول لم نشأ إعطاء الهدى على العموم بل منعناه من أتباع إبليس الذين أنتم من جملتهم حيث صرفتم اختياركم إلى الغي بإغوائه ومشيئتنا لأفعال العباد منوطة باختيارهم إياها فلما لم تختاروا الهدى واخترتم الضلال لم نشأ إعطاءه لكم وإنما أعطيناه الذين اختاروه من البررة وهم المعنيون بما سيأتي إن شاء الله تعالى من قوله سبحانه: {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بئاياتنا} [السجدة: 15] الآية فيكون مناط عدم مشيئته تعالى إعطاء الهدى في الحقيقة سوء اختيارهم لا تحقق القول، وإنما قيدت المشيئة بما مر من التعلق الفعلي بأفعال العباد عند حدوثها لأن المشيئة الأزلية من حيث تعلقها بما سيكون من أفعالهم إجمالًا متقدمة على تحقق كلمة العذاب فلا يكون عدمها منوطًا بتحققها وإنما مناطه علمه تعالى أنه لا يصرف اختيارهم فيما سيأتي إلى الغي وإيثارهم له على الهدى فلو أريدت هي من تلك الحيثية لاستدرك بعدمها بأن يقال: ولكن لم نشأ ونيط ذلك بما ذكر من المناط على منهاج قوله تعالى: {وَلَوْ عَلِمَ الله فِيهِمْ خَيْرًا لاسْمَعَهُمْ} [الأنفال: 23] كذا قال بعض الأجلة.
وقد يقال: يجوز أن يراد بالمشيئة المشيئة الأزلية من حيث تعلقها بما سيكون من أفعالهم ويراد بالقول علم الله تعالى فإنه وكذا كلمة الله سبحانه يطلق على ذلك كما قال الراغب، وذكر منه قوله تعالى: {لَقَدْ حَقَّ القول على أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لاَ يُؤمِنُونَ} [يس: 7] وقوله سبحانه: {إِنَّ الذين حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ} [يونس: 96] وحاصل المعنى لو شئنا في الأزل إيتاء كل نفس هداها في الدنيا لآتيناها إياه ولكن ثبت وتحقق علمي إزلًا بتعذيب العصاة فوجب ذلك لم نشأ إذ لابد من وقوع المعلوم على طبق العلم لئلا يلزم انقلاب العلم جهلًا ووقوع ذلك يستدعي وجود العصاة إذ تعذيب العصاة فرع وجودهم ومشيئة إيتاء الهدى كل نفس تستلزم طاعة كل نفس ضرورة استلزام العلة للمعلول فيلزم أن تكون النفس المعذبة عاصية طائعة وهو محال وهذا المحال جاء من مشيئته إيتاء كل نفس هداها مع علمه تعالى بتعذيب العصاة فإما أن ينتفي العلم المذكور وهو محال لأن تعلق علمه سبحانه بالمعلوم على ما هو عليه ضروري فتعين انتفاء المشيئة لذلك ويرجح هذا بالآخرة إلى أن سبب انتفاء مشيئته إيتاء الهدى للعصاة سوء ما هم عليه في أنفسهم لأن المشيئة تابعة للعلم والعلم تابع للمعلوم في نفسه فعلمه تعالى بتعذيب العصاة يستدعي علمه سبحانه إياهم بعنوان كونهم عصاة فلا يشاؤهم جل جلاله إلا بهذا العنوان الثابت لهم في أنفسهم ولا يشاؤهم سبحانه على خلافه لأن مشيئته تعالى إياهم كذلك تستدعي تعلق العلم بالشيء على خلاف ما هو عليه في نفس الأمر وليس ذلك علمًا.
ويمكن أن يبقى العلم على ظاهره ويقال: إنه تعالى لم يشأ هداهم لأنه جل وعلا قال لإبليس عليه اللعنة: إنه سبحانه يعذب أتباعه ولابد ولا يقول تعالى خلاف ما يعلم فلا يشاء تبارك وتعالى خلاف ما يقول ويرجع بالآخرة أيضًا إلى أنه تعالى لم يشأ هداهم لسوء ما هم عليه في أنفسهم بأدنى تأمل، ومآل الجواب على التقريرين لا فائدة لكم في الرجوع لسوء ما أنتم عليه في أنفسكم، ولا يخفى أن ما ذكر مبني على القول بالأعيان الثابتة وأن الشقي شقي في نفسه والسعيد سعيد في نفسه وعلم الله تعالى إنما تعلق بهما على ما هما عليه في أنفسهما وأن مشيئته تعالى إنما تعلقت بإيجادهما حسا علم جل شأنه فوجدا في الخارج بإيجاده تعالى إياهما على ما هما عليه في أنفسهما فإذا تم هذا تم ذاك وإلا فلا، والفاء في قوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (14):

{فَذُوقُوا بما نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (14)}
{فَذُوقُواْ} لترتيب الأمر بالذوق على ما يعرب عنه ما قبل من نفي الرجع إلى الدنيا أو على قوله تعالى: {ولكن حَقَّ القول مِنْى} إلخ، ولعل هذا أسرع تبادرًا، وجعلها بعضهم واقعة في جواب شرط مقدر أي إذا يئستم من الرجوع أو إذا حق القول فذوقوا، وجوز كونها تفصيلية والأمر للتهديد والتوبيخ، والباء في قوله سبحانه: {ا نَسِيتُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هذا} للسببية و{مَا} مصدرية و{هذا} صفة يوم جيء به للتهويل، وجوز كونه مفعول {ذُو} وهو إشارة إلى ما هم فيه من نكس الرؤوس والخزي والغم، وعلى الأول يكون مفعول {وَنَقُولُ ذُوقُواْ} محذوفًا والوصفية أظهر أي فذوقوا بسبب نسيانكم لقاء هذا اليوم الهائل وترككم التفكر فيه والتزود له بالكلية، وهذا تسريح بسبب العذاب من قبلهم فلا ينافي أن يكون له سبب آخر حقيقيًا كان أو غيره، والتوبيخ به من بين الأسباب لظهوره وكونه صادرًا منهم لا يسعهم إنكاره، والمراد بنسيانهم ذلك تركهم التفكر فيه والتزود له كما أشرنا إليه وهو بهذا المعنى اختياري يوبخ عليه ولا يكاد يصح إرادة المعنى الحقيقي وإن صح التوبيخ عليه باعتبار تعمد سببه من الانهماك في اتباع الشهوات، ومثله في كونه مجازًا النسيان في قوله تعالى: {إِنَّا نسيناكم} أي تركناكم في العذاب ترك المنسي بالمرة وجعل بعضهم هذا من باب المشاكلة ولم يعتبر كون الأول مجازًا مانعًا منها قيل: والقرينة على قصد المشاكلة فيه أنه قصد جزاؤهم من جنس العمل فهو على حد {وَجَزَاء سَيّئَةٍ سَيّئَةٌ مّثْلُهَا} [الشورى: 40]، وقوله تعالى: {وَذُوقُواْ عَذَابَ الخلد بما كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} تكرير للتأكيد والتشديد وتعيين المفعول المبهم للذوق والإشعار بأن سببه ليس مجرد ما ذكر من النسيان بل له أسباب أخر من فنون الكفر والمعاصي التي كانوا مستمرين عليها في الدنيا، ولما كان فيه زيادة على الأول حصلت به مغايرته له استحق العطف عليه ولم ينظم الكل في سلك واحد للتنبيه على استقلال كل من النسيان وما ذكر في استيجاب العذاب، وفي إبهام المذوق أولاف وبيانه ثانيًا بتكرير الأمر وتوسيط الاستئناف المنبئ عن كمال السخط بينهما من الدلالة على غاية التشديد في الانتقام منهم ما لا يخفى.
وقوله تعالى: